عزيزى ثيو :
إلى أين تمضى الحياة بى ؟
ما الذى يصنعه العقل بنا ؟
إنه يفقد الأشياء بهجتها ويقودنا نحو الكآبة ..
حياته الأولى :
حضر فان غوخ مدرسة داخلية في زيفينبيرجين لسنتين وبعد ذلك استمر بحضور مدرسة الملك ويليم الثاني الثانوية في تيلبيرغ لسنتين أخرتين. في ذلك الوقت أي في عام 1868، ترك فان غوخ دراسته في سن الخامسة عشرة ولم يعد إليها.
في عام 1869 انضم فينسنت فان غوخ إلى مؤسسة غووبيل وسي (Goupil & Cie)، وهي شركة لتجار الفن في لاهاي. كانت عائلة فان غوخ لفترة طويلة مرتبطة بعالم الفن، فقد كان أعمام فينسنت، كورنيليس ("العم كور") وفينسنت ("العم سنت")، كانا تاجرين فنيين. أمضى أخوه الأصغر ثيو فان غوخ حياته كتاجر فني، ونتيجة لذلك كان له تأثير كبير على مهنة فينسنت اللاحقة كفنان.
فان غوخ في سن التاسعة عشرة
|
بدأ فينسنت بوصاية عمال مناجم الفحم وعوائلهم في قرية التعدين واسميس . شعر فينسنت بارتباط عاطفي قوي نحو عمال المناجم. تعاطف مع أوضاع عملهم المخيفة وفعل ما بمقدوره، كزعيم روحي، هذه الرغبة الإيثارية أوصلته إلى مستويات كبيرة جداً عندما بدأ فينسنت بإعطاء أغلب مأكله وملبسه إلى الناس الفقراء الواقعين تحت عنايته. على الرغم من نوايا فينسنت النبيلة، رفض ممثلو الكنيسة زهد فان غوخ بقوة وطردوه من منصبه انتقل فان غوخ إلى قرية مجاورة تدعى كيوسميس وبقى هناك بفقر كبير. في السنة التالية كافح فينسنت من أجل العيش، ورغم أنه لم يكن قادراً على مساعدة سكان القرية بأي صفة رسمية كرجل ديني، اختار بأن يبقى أحد أعضاء جاليتهم على الرغم من ذلك. في أحد الأيام شعر
فينسنت بالاضطرار إلى زيارة بيت جولز بريتون، وهو رسام فرنسي كان يحترمه كثيراً، وتطلب ذلك مشي لسبعين كيلومتراً إلى كوريير بفرنسا، مع انه لم يكن في جيبه سوى 10 فرنكات. لكن فينسنت كان خجولاً جداً لأن يدق الباب عند وصوله، فعاد إلى كيوسميس
فاقداً الثقة بشكل كبير. في ذلك الوقت اختار فينسنت فان غوخ مهنته اللاحقة بأن يكون فناناً.
بدايته كفنان :
في خريف العام 1880، وبعد أكثر من عام من العيش بفقر في بوريناج، توجه فينسنت إلى بروكسل لبدء دراساته الفنية. تشجع فينسنت على بدء هذه الدراسات نتيجة للعون المالي من أخيه ثيو. كان فينسنت وثيو قريبين من بعضهما البعض على الدوام في طفولتهما وفي أغلب حياتهما التالية، حيث بقيا يراسلان بعضهما البعض باستمرار. عدد هذه الرسائل أكثر من 700، وهي تشكل أغلب معرفتنا بتصورات فان غوخ حول حياته الخاصة وحول أعماله. في فصل الصيف عاش فينسنت مع أبويه مرة أخرى في إتين، وخلال تلك الفترة قابل ابنة عمه كورنيليا أدريانا فوس ستريكير (تسمى "كي"). وقع فينسنت في حب كي وتحطمت مشاعره حينما رفضته، على الرغم من النكسات العاطفية مع كي وجد فينسنت بعض التشجيع من أنتون موف ابن عمه بالزواج. صنع موف من نفسه فناناً ناجحاً، ومن بيته
ظهور أعماله الناجحة الأولى:
عد العمل الشاق وتطوير الأساليب باستمرار في السنوات الماضية استطاع إنتاج لوحته العظيمة الأولى وهي " آكلو البطاطا". عمل فينسنت على لوحة آكلو البطاطا طوال شهر أبريل/نيسان من العام 1885. أنتج مسودات مختلفة لتحضير النسخة الزيتية الكبيرة الأخيرة على الجنفاص. تعرف لوحة آكلو البطاطا بأنها أول قطعة حقيقية نادرة لفينسنت فان غوخ، فتشجع إثر ردود الفعل بشأنها.
لوحة آكلو البطاطا (أبريل 1885)
|
الانتقال إلى الجنوب:
انتقل فينسينت فان غوخ إلى آرل في بداية العام 1888 لعدة أسباب منها كرهه لباريس وللشهور الطويلة من الشتاء فيها. السبب الآخر كان حلم فينسنت بتأسيس نوع من المطارحات للفنانين في آرل، حيث يلجأ إليه رفاقه في باريس، ويعملون سوية، ويدعمون بعضهم البعض نحو هدف مشترك. استقل فان غوخ القطار من باريس إلى آرل وهو متطلع لمستقبل ناجح. واستأجر بيتاً أصفراً كمكان يرسم فيه ويضع لوحاته. في الحقيقة لم ينتقل فينسنت إلى البيت الأصفر حتى سبتمبر/أيلول، حينما أسسه كقاعدة لما سماه بإستوديو الجنوب. الشهران التاليان كانا محوريين وكارثيين لفينسينت فان غوخ ولبول غوغان. في البداية كان فان غوخ وغوغان جيدين سوية، حيث قاما بالرسم في آرل، كما ناقشا الفن والتقنيات المختلفة. ولكن مع مرور الأسابيع، تدهور الطقس ووجد الاثنان أنفسهما مرغمين على البقاء في الداخل كثيراً. مثلما هو الحال على الدوام، تقلب مزاج فينسنت لمجاراة الطقس. بسبب انجبار فينسنت على العمل في الداخل، أدى ذلك إلى التخفيف من كآبته. بعث فينسنت إلى ثيو رسالة قائلاً فيها أنه قام برسم لوحات لعائلة كاملة وهي عائلة رولن. تلك اللوحات بقت من بين أفضل أعماله. تدهورت العلاقة بين فان غوخ وغوغان في ديسمبر/كانون الأول، فأصبحت مجادلاتهما الساخنة كثيرة الحدوث. في 23 ديسمبر/كانون الأول أصيب فينسنت فان غوخ بنوبة عقلية جنونية، فقطع الجزء الأوطأ من أذنه اليسرى بواسطة شفرة حلاقة، ثم انهار. اكتشفته الشرطة ثم أدخل إلى مستشفى هوتيل ديو في آرل. بعد أن أرسل غوغان برقية إلى ثيو، اتجه فوراً إلى باريس دون أن يزور فان غوخ في المستشفى. تراسل فان غوخ وغوغان لاحقاً لكنهما لم يجتمعا شخصياً مرة أخرى.
رسائل فان جوخ
يقول خالد منتصر فى رأيى الشخصى المتواضع أن أعظم كتاب خطابات فى العالم على مدى التاريخ هو الكتاب الذى جمع رسائل فان جوخ، وأهمها رسائله إلى أخيه ثيو.. إنها رسائل لا تقل روعة عن لوحاته، ولا ثراء وبؤساً عن حياته، إنها تهزك من الأعماق ولا يمكن أن تكون نفس الشخص بعد قراءتها، للأسف هذه الرسائل لم تترجم بعد إلى اللغة العربية
اريس 14 أكتوبر 1875
عزيزي ثيو:
أبعث لك مرة أخري كلمات قليلة أسري بها عن نفسي وعنك، لقد نصحتك بتدمير كتبك، وأن تنفذ ذلك فورا، قم بذلك الآن، نعم، أفعل ذلك، فسوف يمنحك شعورا بالراحة، لكن إهتم أيضا أن لا يصبح أفقك محصورا وضيقا، بالخوف من قراءة ما كُتب ببراعة، علي العكس فإن القيام بذلك شيئ مريح في الحياة.
أيا كانت الأشياء حقيقية، وأيا كانت الأشياء صادقة، وأيا كانت الأشياء منصفة، وأيا كانت الأشياء صافية، وأيا كانت الأشياء جميلة، و أيا كانت الأشياء جيدة، إذا كان هناك أي تأثير، وإذا كان هناك أي مدح، تذكر كل ذلك.ابحث عن النور والحرية، لا تتعمق في تأمل شر الحياة.
كم أتوق لوجودك هنا لنذهب سويا لمشاهدة «لوكسمبرج» و»اللوفر»، إلا أن في ظني أنك ستأتي بعد حين، كتب لي والدي في إحدي المرات:»تذكر دائما حكاية «إيكاروس»، عندما أراد الطيران نحو الشمس، وعند بلوغه ارتفاع معين، فقد جناحيه، وسقط في البحر»، سوف تشعر باستمرار أنه لا أنا ولا أنت سنصل لما نتمناه يوما ما، وسنظل أدني بكثير من أبينا والآخرين، عن ما نصبو إليه من الصلابة، والبساطة، و الصدق والإخلاص، المرء لا يصل إلي كل ما يرجوه بأن يصبح بسيطا وصادقا بين ليلة و ضحاها.
لكن قبل كل شئ دعنا نتحلي بالصبر والمثابرة، المؤمنون لا يتعجلون، لا يزال هناك فارقا بين تلهفنا أن نصبح مسيحيين حقيقيين، وما فعله»إيكاروس» بالطيران نحو الشمس، لا أعتقد أن هناك ضررا من بدن معافي نسبيا، اهتم بحصولك علي غذاء جيد، إذا انتابك أحيانا الإحساس بالجوع، أو بالأحري إنفتاح الشهية، كُل جيدا، أؤكد لك أنني أفعل ذلك، وهو ما يحدث في الغالب، خاصة الخبز يا ولد:» الخبز هو عصب الحياة»، مثل سائر الإنجليز» بالرغم من ولعهم باللحم أيضا، وتناوله بكثرة علي وجه العموم «، كل ما عليك فعله الآن هو الكتابة لي وعلي الفور، دعك من الأمور الحياتية اليومية.
أحرص دائما علي التحلي بالشجاعة، وبلغ تحياتي لكل من يسأل عني، أرجو أن نتقابل في غضون شهر أو أثنين. سلامي الحار، علي الدوام.
أخيك المحب فنسنت
أبعث لك مرة أخري كلمات قليلة أسري بها عن نفسي وعنك، لقد نصحتك بتدمير كتبك، وأن تنفذ ذلك فورا، قم بذلك الآن، نعم، أفعل ذلك، فسوف يمنحك شعورا بالراحة، لكن إهتم أيضا أن لا يصبح أفقك محصورا وضيقا، بالخوف من قراءة ما كُتب ببراعة، علي العكس فإن القيام بذلك شيئ مريح في الحياة.
أيا كانت الأشياء حقيقية، وأيا كانت الأشياء صادقة، وأيا كانت الأشياء منصفة، وأيا كانت الأشياء صافية، وأيا كانت الأشياء جميلة، و أيا كانت الأشياء جيدة، إذا كان هناك أي تأثير، وإذا كان هناك أي مدح، تذكر كل ذلك.ابحث عن النور والحرية، لا تتعمق في تأمل شر الحياة.
كم أتوق لوجودك هنا لنذهب سويا لمشاهدة «لوكسمبرج» و»اللوفر»، إلا أن في ظني أنك ستأتي بعد حين، كتب لي والدي في إحدي المرات:»تذكر دائما حكاية «إيكاروس»، عندما أراد الطيران نحو الشمس، وعند بلوغه ارتفاع معين، فقد جناحيه، وسقط في البحر»، سوف تشعر باستمرار أنه لا أنا ولا أنت سنصل لما نتمناه يوما ما، وسنظل أدني بكثير من أبينا والآخرين، عن ما نصبو إليه من الصلابة، والبساطة، و الصدق والإخلاص، المرء لا يصل إلي كل ما يرجوه بأن يصبح بسيطا وصادقا بين ليلة و ضحاها.
لكن قبل كل شئ دعنا نتحلي بالصبر والمثابرة، المؤمنون لا يتعجلون، لا يزال هناك فارقا بين تلهفنا أن نصبح مسيحيين حقيقيين، وما فعله»إيكاروس» بالطيران نحو الشمس، لا أعتقد أن هناك ضررا من بدن معافي نسبيا، اهتم بحصولك علي غذاء جيد، إذا انتابك أحيانا الإحساس بالجوع، أو بالأحري إنفتاح الشهية، كُل جيدا، أؤكد لك أنني أفعل ذلك، وهو ما يحدث في الغالب، خاصة الخبز يا ولد:» الخبز هو عصب الحياة»، مثل سائر الإنجليز» بالرغم من ولعهم باللحم أيضا، وتناوله بكثرة علي وجه العموم «، كل ما عليك فعله الآن هو الكتابة لي وعلي الفور، دعك من الأمور الحياتية اليومية.
أحرص دائما علي التحلي بالشجاعة، وبلغ تحياتي لكل من يسأل عني، أرجو أن نتقابل في غضون شهر أو أثنين. سلامي الحار، علي الدوام.
أخيك المحب فنسنت
اقتباسات من بعض رسائله.
1880 – ” مثل المواسم التي تغير الطيور فيها ريشها . تكون اوقات الشقاء و التشتت بالنسبة للبشر . ويمكن ان يخرج الانسان منها متجددا ولكن لا يجب ان يحدث هذا امام انظار الجميع . لذلك فالشيء الوحيد الذي يجب على المرء فعله ، هو ان يخفي نفسه “.
1880 – ” مالذي يمكنني قوله ؟ افكارنا الداخلية ، هل تظهر ابدا للخارج ؟ ربما تكون هناك نار عظيمة وسط ارواحنا ، لكن لا احد يأتي ابدا ليدفيء نفسه قربها ، ولا يرى العابرون سوى خيط من الدخان يخرج من المدخنة ..ثم يمضون في طريقهم ..”.
1880 – ” لا نستطيع دائما ان نحدد مالذي يبقينا محبوسين ، يدفننا … ولكننا نشعر بالحواجز ، البوابات . هل هي محض اوهام ؟ لا اظن ذلك . ونسأل ” ياالهي ، الى متى ؟ هل سيستمر ذلك الى الابد ؟”
أتعرف مالذي يستطيع تحريرنا من هذا السجن ؟
العاطفة. القوية الحقيقية . الحب . بقوة سحرية ، يمكنه ذلك ..”.
أتعرف مالذي يستطيع تحريرنا من هذا السجن ؟
العاطفة. القوية الحقيقية . الحب . بقوة سحرية ، يمكنه ذلك ..”.
بعض الافلام و الكتب التي وثقت سيرته :
Van Gogh: Painted with Words-2010
دراما وثائقية من إنتاج قناة بي بي سي 1 , كل الحوارات التي كانت في هذا الفيلم مصدرها من الرسائل التي أرسلها فان جوخ إلى أخيه ثيو ولمعارفه .
يجسد الفيلم – عبر الرسائل التي أرسلت – حياة فان جوخ والمراحل التي مر بها . الفيلم تعريف جميل لهذا الفنان ولقي إشادات كثيرة وفاز بجائزة أفضل وثائقي عن الفنون في مهرجان بانف لعام 2011 .الممثل الذي أدى دور فان جوخ ” بينديكت كامبرباتش الحاصل على جائزه لورانس أوليفييه ” تلقى أيضا اشادات النقاد و صرح العديد منهم بأن بينيدكت “أعاد إحياء شخصية عظيمة بطريمة جميلة عبر عينين زرقاوتين “
يجسد الفيلم – عبر الرسائل التي أرسلت – حياة فان جوخ والمراحل التي مر بها . الفيلم تعريف جميل لهذا الفنان ولقي إشادات كثيرة وفاز بجائزة أفضل وثائقي عن الفنون في مهرجان بانف لعام 2011 .الممثل الذي أدى دور فان جوخ ” بينديكت كامبرباتش الحاصل على جائزه لورانس أوليفييه ” تلقى أيضا اشادات النقاد و صرح العديد منهم بأن بينيدكت “أعاد إحياء شخصية عظيمة بطريمة جميلة عبر عينين زرقاوتين “